البوصلة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي راقي جدا


    الجزء الثامن عشر النوع السادس عشر في كيفية إنزاله

    avatar
    tarek
    Admin


    المساهمات : 103
    تاريخ التسجيل : 27/06/2010
    الموقع : ام الدنيا

    الجزء الثامن عشر النوع السادس عشر في كيفية إنزاله Empty الجزء الثامن عشر النوع السادس عشر في كيفية إنزاله

    مُساهمة  tarek الإثنين يوليو 12, 2010 2:49 am

    النوع السادس عشر في كيفية إنزاله

    فيه مسائل‏.‏

    الأولى‏:‏ قال الله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وقال إنا أنزلناه في ليلة القدر اختلف في كيفية إنزاله من اللوح المحفوظ على ثلاثة أقوال‏:‏ أحدها وهوالأصح الأشهر‏:‏ أنه نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ثم نزل بعد ذلك منجماً في عشرين سنة أوثلاثة وعشرين أوخمسة وعشرين على حسب الخلاف في مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة‏.‏

    أخرج الحاكم والبيهقي وغيرهما من طريق منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله ينزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضه في أثر بعض‏.‏

    وأخرج الحاكم والبيهقي أيضاً والنسائي أيضاً من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك بعشرين سنة ثم قرأ ‏{‏ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً‏}‏‏.‏ ‏{‏وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا‏}‏‏.‏

    وأخرجه ابن أبي حاتم من هذا الوجه وفي آخره‏:‏ فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً أحدث الله لهم جواباً‏.‏

    وأخرج الحاكم وابن أبي شيبة من طريق حسان بن حريث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا فجعل جبريل ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم أسانيدها كلها صحيحة‏.‏

    وأخرج الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس قال‏:‏ أنزل القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى سماء الدنيا ليلة واحدة ثم أنزل نجوماً‏.‏

    إسناده لا بأس به‏.‏

    وأخرج الطبراني والبزار من وجه آخر عنه قال‏:‏ أنزل القرآن جملة واحدة حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا ونزله جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم بجواب كلام العباد وأعمالهم‏.‏

    وأخرج ابن أبي شيبة في فضائل القرآن من وجه آخر عنه‏:‏ دفع إلى جبريل في ليلة القدر جملة واحدة فوضعه في بيت العزة ثم جعل ينزله تنزيلاً وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق السدي عن محمد عن ابن أبي المجالد عن مقسم عن ابن عباس‏:‏ أنه سأل عطية بن الأسود فقال‏:‏ أوقع في قلبي الشك قوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وقوله ‏{‏إنا أنزلناه في ليلة القدر‏}‏ وهذا أنزل في شوال وفي ذي العقدة وذي الحجة وفي المحرم وصفر وشهر ربيع فقال ابن عباس‏:‏ إنه أنزل في رمضان في ليلة القدر جملة واحدة ثم أنزل على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام‏.‏

    قال أبو شامة‏:‏ قوله رسلاً‏:‏ أي رفقاً وعلى مواقع النجوم‏:‏ أي على مثل مساقطها‏.‏

    يريد أنزل في رمضان في ليلة القدر جملة واحدة ثم أنزل القول الثاني‏:‏ أنه نزل إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة قدر وثلاث وعشرين أوخمس وعشرين في كل ليلة ما يقدر الله إنزاله في كل السنة ثم أنزل بعد ذلك منجماً في جميع السنة‏.‏

    وهذا القول ذكره الإمام فخر الدين الرازي بحثاً فقال‏:‏ يحتمل أنه كان ينزل في كل ليلة قدر ما يحتاج الناس إلى إنزاله إلى مثلها من اللوح إلى السماء الدنيا ثم توقف هل هذا أولى أوالأول‏.‏

    قال ابن كثير‏:‏ وهذا الذي جعله احتمالاً نقله القرطبي عن مقاتل ابن حيان وحكى الإجماع على أنه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا‏.‏

    قلت‏:‏ وممن قال بقول مقاتل الحليمي والماوردي ويوافقه قول ابن شهاب آخر القرآن عهداً بالعرش آية الدين‏.‏

    القول الثالث‏:‏ أنه ابتدأ إنزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجماً في أوقات مختلفة من سائر الأوقات وبه قال الشعبي‏.‏

    قال ابن حجر في شرح البخاري‏:‏ والأول هو الصحيح المعتمد‏.‏

    قال‏:‏ وقد حكى الماوردي قولاً رابعاً أنه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة وأن الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة وأن جبريل نجمه على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة وهذا أيضاً غريب‏.‏

    والمعتمد أن جبريل كان يعارضه في رمضان بما ينزل به في طول السنة‏.‏

    وقال أبو شامة‏:‏ كأن صاحب هذا القول أراد الجمع بين القولين الأول والثاني‏.‏

    قلت‏:‏ هذا الذي حكاه الماوردي أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال‏:‏ نزل القرآن جملة واحدة من عند الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا فنجمته السفرة على جبريل عشرين ليلة ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة‏.‏

    تنبيهات‏:‏ الأول قيل السر في إنزاله جملة إلى السماء تفخيم أمره وأمر من نزل عليه وذلك بإعلام سكان السموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم قد قريناه إليهم لننزله عليهم ولولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجماً بحسب الوقائع لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله ولكن الله باين بينه وبينها فجعل له الأمرين إنزاله جملة ثم إنزاله تشريفاً للمنزل عليه‏.‏

    ذكر ذلك أبو شامة في المرشد الوجيز‏.‏

    وقال الحكيم الترمذي‏:‏ أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا تسليماً منه للأمة ما كان أبرز لهم من الحظ بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم وذلك أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانت رحمة فلما خرجت الرحمة بفتح الباب جاءت بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن فوضع القرآن ببيت العزة في السماء الدنيا ليدخل في حد الدنيا ووضعت النبوة في قبل محمد وجاء جبريل بالرسالة ثم الوحي كأنه أراد تعالى أن يسلم هذه الرحمة التي كانت حظ هذه الأمة من الله إلى الأمة‏.‏

    وقال السخاوي في جمال القراء‏:‏ في نزوله إلى السماء جملة تكريم بني آدم وتعظيم شأنهم عند الملائكة وتعريفهم عناية الله بهم ورحمته لهم ولهذا المعنى أمر سبعين ألفاً من الملائكة أن تشيع سورة الأنعام وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل بإملائه على السفرة الكرام وإنساخهم إياه وتلاوتهم له‏.‏

    قال‏:‏ وفيه أيضاً التسوية بين نبينا صلى الله عليه وسلم وبين موسى عليه السلام في إنزاله كتابه جملة والتفضيل لمحمد في إنزاله عليه منجماً ليحفظه‏.‏

    وقال أبو شامة‏:‏ فإن قلت‏:‏ فقوله تعالى ‏{‏إنا أنزلناه في ليلة القدر‏}‏ من جملة القرآن الذي نزل جملة أم لا فإن لم يكن منه فما نزل جملة وإن كان منه فما وجه صحة هذه العبارة قلت‏:‏ وجهان‏.‏

    أحدهما‏:‏ أن يكون معنى الكلام أنا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر وقضيناه وقدرناه في الأزل‏.‏

    والثاني أن لفظه لفظ الماضي ومعناه الاستقبال‏:‏ أي ننزله جملة في ليلة القدر انتهى‏.‏

    الثاني‏:‏ قال أبو شامة أيضاً‏:‏ الظاهر أن نزوله جملة إلى سماء الدنيا قبل ظهور نبوته صلى الله عليه وسلم‏.‏

    قال‏:‏ ويحتمل أن يكون بعدها‏.‏

    قلت‏:‏ الظاهر هو الثاني وسياق الآثار السابقة عن ابن عباس صريح فيه‏.‏

    وقال ابن حجر في شرح البخاري‏:‏ قد خرج أحمد والبيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنزلت التوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشر خلت منه والزبور لثمان عشرة خلت منه والقرآن لأربع وعشرين خلت منه وفي رواية وصحف إبراهيم لأول ليلة قال‏:‏ وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ولقوله ‏{‏إنا أنزلناه في ليلة القدر‏}‏ فيحتمل أن يكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أول اقرأ باسم ربك قلت‏:‏ لكن يشكل على هذا ما اشتهر من أنه صلى الله عليه وسلم بعث في شهر ربيع‏.‏

    ويجاب عن هذا بما ذكروه أنه نبي أولاً بالرؤيا في شهر مولده ثم كانت مدتها ستة أشهر ثم أوحى إليه في اليقظة‏.‏

    ذكره البيهقي وغيره‏:‏ نعم يشكل على الحديث السابق ما أخرجه ابن أبي شيبة في فضائل القرآن عن أبي قلابة قال‏:‏ أنزلت الكتب كاملة ليلة أربع وعشرين من رمضان‏.‏

    الثالث‏:‏ قال أبو شامة أيضاً‏:‏ فإن قيل ما السر في نزوله منجماً وهلا أنزل كسائر الكتب جملة قلنا‏:‏ هذا سؤال قد تولى الله جوابه فقال تعالى وقال الذين كفروا لولا أنزل الله عليه القرآن جملة واحدة يعنون كما أنزل على من قبله من الرسل فأجابهم تعالى بقوله ‏{‏كذلك‏}‏ أي أنزلناه كذلك مفرقاً ‏{‏لنثبت به فؤادك‏}‏ أي لنقوي به قلبك فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى بالقلب وأشد عناية بالمرسل إليه ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه وتجدد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة لقياه جبريل‏.‏

    وقيل معنى لنثبت به فؤادك‏:‏ أي لتحفظه فإنه عليه الصلاة والسلام كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ففرق عليه ليثبت عنده حفظه بخلاف غيره من الأنبياء فإنه كان كاتباً قارئاً فيمكنه حفظ الجميع

    وقال ابن فورك‏:‏ قيل أنزلت التوراة جملة لأنها نزلت على نبي يكتب ويقرأ وهوموسى وأنزل الله القرآن مفرقاً لأنه أنزل غير مكتوب على نبي أميّ‏.‏

    وقال غيره‏:‏ إنما لم ينزل جملة واحدة لأن منه الناسخ والمنسوخ ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقاً‏.‏

    ومنه ما هوجواب لسؤال ومنه ما هوإنكار على قول قيل أوفعل فعل وقد تقدم ذلك في قول ابن عباس‏:‏ ونزله جبريل بجواب كلام العباد وأعمالهم وفسر به قوله ‏{‏ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق‏}‏ أخرجه عنه ابن أبي حاتم‏.‏

    فالحاصل أن الآية تضمنت حكمتين لإنزاله مفرقاً‏.‏

    تذنيب‏:‏ ما تقدم في كلام هؤلاء من أن سائر الكتب أنزلت جملة هومشهور في كلام العلماء على ألسنتهم حتى كاد أن يكون إجماعاً‏.‏

    وقد رأيت بعض فضلاء العصر أنكر ذلك وقال‏:‏ إنه لا دليل عليه بل الصواب أنها نزلت مفرقة كالقرآن‏.‏

    وأقول‏:‏ الصواب الأول‏.‏

    ومن الأدلة على ذلك آية الفرقان السابقة‏.‏

    أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ قالت اليهود‏:‏ يا أبا القاسم لولا أنزل هذا القرآن جملة واحدة كما أنزلت التوراة على موسى فنزلت‏.‏

    وأخرجه من وجه آخر عنه بلفظ‏:‏ قال المشركون‏.‏

    وأخرج نحوه عن قتادة والسدى‏.‏

    فإن قلت‏:‏ ليس في القرآن التصريح بذلك وإنما هوعلى تقدير ثبوته قول الكفار‏.‏

    قلت‏:‏ سكوته تعالى عن الرد عليهم في ذلك وعدوله إلى بيان حكمته دليل على صحته ولوكانت الكتب كلها نزلت مفرقة لكان يكفي في الرد عليهم أن يقول‏:‏ إن ذلك سنة الله في الكتب التي أنزلها على الرسل السابقة كما أجاب بمثل ذلك قولهم ‏{‏وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق‏}‏ فقال ‏{‏وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق‏}‏ وقولهم ‏{‏أبعث الله بشراً رسولاً‏}‏ فقال ‏{‏وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم‏}‏ وقولهم كيف يكون رسولاً ولا هم له إلا النساء فقال ‏{‏ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية‏}‏ إلى غير ذلك‏.‏

    ومن الأدلة على ذلك أيضاً قوله تعالى في إنزاله التوراة على موسى يوم الصعقة {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء فخذها بقوة‏}‏{‏وألقى الألواح‏}‏ ‏{‏ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة‏}‏{‏وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة‏}‏ فهذه الآيات كلها دالة على إتيانه في التوراة جملة‏.‏

    وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ أعطى موسى التوراة في سبعة ألواح من زبرجد فيها تبيان لكل شيء وموعظة فلما جاء بها فرأى بني إسرائيل عكوفاً على عبادة العجل رمى بالتوراة من يده فتحطمت فرفع الله منها ستة أسباع وأبقى منها سبعاً‏.‏

    وأخرج من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رفعه قال‏:‏ الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة كان طول اللوح اثني عشر ذراعاً‏.‏

    وأخرج النسائي وغيره عن ابن عباس في حديث النتوق قال‏:‏ أخذ موسى الألواح بعد ما سكن عنه الغضب فأمرهم بالذي أمر الله أن يبلغهم من الوظائف فثقلت عليهم وأبوا أن يقروا بها حتى نتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم فأقروا بها‏.‏

    وأخرج ابن أبي حاتم عن ثابت بن الحجاج قال‏:‏ جاءتهم التوراة جملة واحدة فكبر عليهم فأبوا أن يأخذوه حتى ظلل الله عليهم الجبل فأخذوه عند ذلك‏.‏

    فهذه آثار صحيحة صريحة في إنزال التوراة جملة‏.‏

    ويؤخذ من الأثر الأخير منها حكمة أخرى لإنزال القرآن مفرقاً فإنه ادعى إلى قبوله إذا نزل على التدريج بخلاف ما لونزل جملة واحدة فإنه كان ينفر من قبوله كثير من الناس لكثرة ما فيه من الفرائض والمناهي‏.‏

    ويوضح ذلك ما أخرجه البخاري عن عائشة قالت‏:‏ إنما نزل أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولونزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبداً ولونزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنى أبداً ثم رأيت هذه الحكمة مصرحاً بها في الناسخ والمنسوخ لمكي‏.‏

    فرع الذي استقرئ من الأحاديث الصحيحة وغيرها أن القرآن كان ينزل بحسب الحاجة خمس آيات وعشر آيات وأكثر وأقل وقد صح نزول العشر آيات في قصة الإفك جملة وصح نزول عشر آيات من أول المؤمنين جملة وصح نزول ‏{‏غير أولي الضرر‏}‏ وحدها وهي بعض آية‏.‏

    وكذا قوله ‏{‏وإن خفتم عيلة‏}‏ إلى آخر الآية نزلت بعد نزول أول الآية كما حررناه في أسباب النزول وذلك بعض آية‏.‏

    وأخرج ابن أشتة في كتاب المصاحف عن عكرمة في قوله ‏{‏بمواقع النجوم‏}‏ قال‏:‏ أنزل الله القرآن نجوماً ثلاث آيات وأربع آيات وخمس آيات‏.‏

    وقال النكزاوي في كتاب الوقف‏:‏ كان القرآن ينزل مفرقاً الآية والآيتين والثلاث والأربع وأكثر من ذلك‏.‏

    وما أخرجه ابن عساكر من طريق أبي نضرة قال‏:‏ كان أبوسعيد الخدري يعلمنا القرآن خمس آيات بالغداة وخمس آيات بالعشي ويخبر أن جبريل نزل بالقرآن خمس آيات خمس آيات‏.‏

    وما أخرجه البيهقي في الشعب من طريق أبي خلدة عن عمر قال‏:‏ تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإن جبريل كان ينزل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم خمساً خمساً‏.‏

    ومن طريق ضعيف عن علي قال‏:‏ أنزل القرآن خمساً خمساً إلا سورة الأنعام ومن حفظ خمساً خمساً لم ينسه‏.‏

    فالجواب أن معناه إن صح إلقاؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا القدر حتى يحفظه ثم يلقي إليه الباقي لا إنزاله بهذا القدر خاصة‏.‏

    ويوضح ذلك ما أخرجه البيهقي أيضاً عن خالد بن دينار قال‏:‏ قال لنا أبو العالية‏:‏ تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذه من جبريل خمساً خمساً‏.‏

    المسئلة الثانية‏:‏ في كيفية الإنزال والوحي‏.‏

    قال الأصفهاني أوائل تفسيره‏:‏ اتفق أهل السنة والجماعة على أن كلام الله منزل واختلفوا في معنى الإنزال‏.‏

    فمنهم من قال‏:‏ إظهار القراءة‏.‏

    ومنهم من قال‏:‏ إن الله تعالى ألهم كلامه جبريل وهو في السماء وهو عال من المكان وعلمه قراءته ثم جبريل أداه في الأرض وهويهبط في المكان‏.‏

    وفي التنزيل طريقان‏.‏

    أحدهما‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية وأخذه من جبريل‏.‏

    والثاني‏:‏ أن الملك انخلع إلى البشرية حتى يأخذه الرسول منه والأول اصعب الحالين انتهى‏.‏

    وقال الطيبي‏:‏ لعل نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلقفه الملك من الله تعالى تلقفاً روحانياً أويحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به إلى الرسول فيلقيه عليه‏.‏

    وقال القطب الرازي في حواشي الكشاف‏:‏ والإنزال لغة بمعنى الإيواء وبمعنى تحريك الشيء من العلوإلى أسفل وكلاهما يتحققان في الكلام فهومستعمل فيه في معنى مجازي فمن قال‏:‏ القرآن معنى قائم بذات الله تعالى فإنزاله أن يوجد الكلمات والحروف الدالة على ذلك المعنى ويثبتها في اللوح المحفوظ‏.‏

    ومن قال‏:‏ القرآن هو الألفاظ فإنزاله مجرد إثباته في اللوح المحفوظ وهذا المعنى مناسب لكونه منقولاً عن المعنيين اللغويين‏.‏

    ويمكن أن يكون المراد بإنزاله إثباته في السماء الدنيا بعد الإثبات في اللوح المحفوظ وهذا مناسب للمعنى الثاني‏.‏

    والمراد بإنزال الكتب على الرسل أن يتلقفها الملك من الله تلقفاً روحانياً أويحفظها من اللوح المحفوظ وينزل بها فيلقيها عليهم اه‏.‏

    وقال غيره‏:‏ في المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال‏.‏

    أحدها‏:‏ أنه اللفظ والمعنى وأن جبريل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به‏.‏

    وذكر بعضهم أن أحرف القرآن في اللوح المحفوظ كل حرف منها بقدر جبل قاف وأن تحت كل حرف منها معاني لا يحيط بها إلا الله‏.‏

    والثاني‏:‏ أن جبريل إنما نزل بالمعاني خاصة وأنه صلى الله عليه وسلم علم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب وتمسك قائل هذا بظاهر قوله تعالى نزل به الروح الأمين على قلبك‏.‏

    والثالث‏:‏ أن جبريل ألقى غليه المعنى وأنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب وأن أهل السماء يقرءونه بالعربية ثم إنه نزل به كذلك بعد ذلك‏.‏

    وقال البيهقي في معنى في قوله تعالى ‏{‏إنا أنزلناه في ليلة القدر‏}‏ يريد والله أعلم‏:‏ إنا أسمعنا الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع فيكون الملك منتقلاً من علوإلى أسفل‏.‏

    قال أبو شامة‏:‏ هذا المعنى مطرد في جميع ألفاظ الإنزال المضافة إلى القرآن أوإلى شيء منه يحتاج إليه أهل أسنة المقتعدون قدم القرآن وأنه صفة قائمة بذات الله تعالى‏.‏

    قلت‏:‏ ويؤيد ا جبريل تلقفه سماعاً من الله تعالى ما أخرجه الطبراني من حديث النواس بن سمعان مرفوعاً إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجداً فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل فينتهي به حيث أمر‏.‏

    وأخرج ابن مردويه من حديث ابن مسعود رفعه إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون ويرون أنه من أمر السرعة وأصل الحديث في الصحيح‏.‏

    وفي تفسير عليّ بن سهل النيسابوري‏:‏ قال جماعة من العلماء‏:‏ نزل القرآن جملة في ليلة القدر من اللوح الحفوظ إلى بيت يقال له بيت العزة فحفظه جبريل وغشى على أهل السموات من هيبة كلام الله فمر بهم جبريل وقد أفاقوا وقالوا‏:‏ ماذا قال ربكم قالوا‏:‏ الحق‏:‏ يعني القرآن وهومعنى وله حتى إذا فزّع عن قلوبهم فأتى به جبريل إلى بيت العزة على السفرة الكتبة يعني الملائكة وهومعنى قوله تعالى ‏{‏بأيدي سفرة كرام بررة‏}‏ وقال الجويني‏:‏ كلام الله المنزل قسمان‏:‏ قسم قال الله لجبريل‏:‏ قل للنبي الذي أنت مرسل إليه إن الله يقول افعل كذا وكذا وأمر بكذا ففهم جبريل ما قاله ربه ثم نزل على ذلك النبي وقال له ما قاله ربه ولم تلك العبارة تلك العبارة كما يقول الملك لمن يثق به قل لفلان يقول لك الملك اجتهد في الخدمة واجمع جندك للقتال فإن قال الرسول يقول الملك لا تتهاون في خدمتي ولا تترك الجند تتفرق وحثهم على المقاتلة لا ينسب إلى كذب ولا تقصير في أداء الرسالة‏.‏

    وقسم آخر قال الله لجبريل‏:‏ اقرأ على النبي هذا الكتاب فنزل جبريل بكلمة من الله من غير تغيير كما يكتب الملك كتاباً ويسلمه إلى أمين ويقول اقرأه على فلان فهولا يغير منه كلمة ولاحرفاً انتهى‏.‏

    قلت‏:‏ القرآن هو القسم الثاني والقسم الأول هو السنة كما ورد أن جبريل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن ومن هنا جاز رواية السنة بالمعنى لأن جبريل أداه بالمعنى ولم تجز القراءة بالمعنى لأن جبريل أداه باللفظ ولم يبح له إيحاءه بالمعنى‏.‏

    والسر في ذلك أن المقصود منه التعبد بلفظه والإعجاز به فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه وإن تحت كل حرف منه معاني لا يحاط بها كثرة فلا يقدر أحد أن يأتي بدله بما يشتمل عليه والتخفيف على الأمة حيث جعل المنزل إليهم على قسمين‏:‏ قسم يروونه بلفظه الموحى به وقسم يروونه بالمعنى‏.‏

    ولوجعل كله مما يروى باللفظ لشق أوبالمعنى لم يؤمن التبديل والتحريف فتأمل‏.‏

    وقد رأيت عن السلف ما يعضد كلام الجويني‏.‏

    وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عقيل عن الزهري سئل عن الوحي فقال‏:‏ الوحي ما يوحى إلى نبي من الأنبياء فيثبته فيقلبه فيتكلم به ويكتبه وهوكلام الله‏.‏

    ومنه ما لا يتكلم به ولا يكتبه لأحد ولا يأمر بكتابته ولكنه يحدث به الناس حديثاً ويبين لهم أن الله أمره أن يبينه للناس ويبلغهم إياه‏.‏

    فصل وقد ذكر العلماء للوحي كيفيات‏.‏

    إحداها‏:‏ أن يأتيه الملك في مثل صلصلة الجرس كما في الصحيح‏.‏

    وفي مسند أحمد عن عبد الله بن عمر سألت النبي صلى الله عليه وسلم هل تحس بالوحي فقال‏:‏ أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك فما من مرة يوحى إلىّ إلا ظننت أن نفسي تقبض‏.‏

    قال الخطابي‏:‏ والمراد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يثبته أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد‏.‏

    وقيل هو صوت خفق أجنحة الملك‏.‏

    والحكمة في تقدمه أن يفرغ سمعه للوحي فلا يبقى فيه مكاناً لغيره‏.‏

    وقيل هو صوت خفق أجنحة الملك‏.‏

    والحكمة في تقدمه أن يفرغ سمعه للوحي فلا يبقى فيه مكاناً لغيره‏.‏

    وفي الصحيح أن هذه الحالة أشد حالات الوحي عليه‏.‏

    وقيل إنه إنما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد أوتهديد‏.‏

    الثانية‏:‏ أن ينفث في روعه الكلام نفثاً كما قال صلى الله عليه وسلم إن روح القدس نفث في روعي أخرجه الحاكم‏.‏

    وهذا قد يرجع إلى الحالة الأولى والتي بعدها بأن يأتيه في إحدى الكيفيتين وينفث في روعه‏.‏

    والثالثة‏:‏ أن يأتيه في صورة الرجل فيكلمه كما في الصحيح وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول‏.‏

    زاد أبو عوانه في صحيحه وهوأهونه عليّ‏.‏

    الرابعة‏:‏ أن يأتيه الملك في النوم وعدّ قوم من هذا سورة الكوثر وقد تقدم ما فيه‏.‏

    الخامسة‏:‏ أن يكلمه الله إما في اليقظة كما في ليلة الإسراء أوفي النوم كما في حديث معاذ أتاني ربي فقال‏:‏ فيم يختصم الملأ الأعلى الحديث وليس في القرآن من هذا النوع شيء فيما أعلم‏.‏

    نعم يمكن أن يعد منه آخر سورة البقرة لما تقدم وبعض سورة الضحى وألم نشرح فقد أخرج ابن أبي حاتم من حديث عدي بن ثابت قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت ربي مسئلة وددت أني لم اكن سألته قلت‏:‏ أي رب اتخذت إبراهيم خليلاً وكلمت موسى تكليماً فقال‏:‏ يا محمد ألم أجدك يتيماً فآويت وضالاً فهديت وعائلاً فأغنيت وشرحت لك صدرك وحططت عنك وزرك ورفعت لك ذكرك فلا اذكر إلا ذكرت معي‏.‏

    فائدة أخرج الإمام أحمد في تاريخه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي قال‏:‏ أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم النبوة وهوابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة‏.‏

    قال ابن عساكر‏:‏ والحكمة في توكيل إسرافيل به أنه الموكل بالصور الذي فيه هلاك الخلق وقيام الساعة ونبوته صلى الله عليه وسلم مؤذنة بقرب الساعة وانقطاع الوحي كما وكل بذي القرنين ريافيل الذي يطوي الأرض وبخالد بن سنان مالك خازن النار‏.‏

    وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سابط قال‏:‏ في أم الكتاب كل شيء هوكائن إلى يوم القيامة فوكل ثلاثة بحفظه إلى يوم القيامة من الملائكة فوكل جبريل بالكتب والوحي إلى الأنبياء وبالنصر عند الحروب وبالهلكات إذا أراد الله أن يهلك قوماً ووكل ميكائيل بالقطر والنبات ووكل ملك الموت بقبض الأنفس فإذا كان يوم القيامة عارضوا بين حفظهم وبين ما كان في أم الكتاب فيجدونه سواء‏.‏

    وأخرج أيضاً عن عطاء بن السائب قال‏:‏ أول ما يحاسب جبريل لأنه كان أمين الله على رسله‏.‏

    فائدة ثانية أخرج الحاكم والبيهقي عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنزل القرآن بالتفخيم كهيئته عذراً نذراً و الصدفين و ‏{‏ألا له الخلق والأمر‏}‏ وأشباه هذا‏.‏

    قلت‏:‏ أخرجه ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء فبين أن المرفوع منه أنزل القرآن بالتفخيم فقط وأن الباقي مدرج من كلام عمار بن عبد الملك أحد رواة الحديث‏.‏

    فائدة أخرى أخرج ابن سعد عن عائشة قالت‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يغط في رأسه ويتبرد وجهه‏:‏ أي يتغير لونه بالجريذة ويجد برداً في ثناياه ويعرق حتى يتحدر منه مثل الجمان‏.‏

    المسئلة الثالثة‏:‏ في الأحرف السبعة التي نزل القرآن عليها‏.‏

    قلت‏:‏ ورد حديث نزل القرآن على سبة أحرف من رواية جمع من الصحابة‏:‏ أبيّ بن كعب وأنس وحذيفة بن اليمان وزيد بن أرقم وسمرة بن جندب وسلمان ابن صرد وابن عباس وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وعمر بن الخطاب وعمروبن أبي سلمة وعمروبن العاص ومعاذ بن جبل وهشام بن حكيم وأبي بكرة وأبي جهم وأبي سعيد الخدري وأبي طلحة الأنصاري وأبي هريرة وأبي أيوب فهؤلاء أحد وعشرون صحابياً وقد نص أبو عبيد على تواتره‏.‏

    وأخرج أبويعلى في مسنده أن عثمان قال على المنبر‏:‏ أذكر الله رجلاً سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال إن القرآن أنزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف لما قام فقاموا حتى لم يحصدوا فشهدوا بذلك فقال‏:‏ وأنا أشهد معهم وسأسوق من رواتهم ما يحتاج إليه‏.‏

    فأقول‏:‏ اختلف في معنى هذا الحديث على نحو أربعين قولاً‏.‏

    أحدها‏:‏ أنه من المشكل الذي لا يدري معناه لأن الحرف يصدق لغة على حرف الهجاء وعلى الكلمة وعلى المعنى وعلى الجهة قال ابن سعدان النحوي‏.‏

    الثاني‏:‏ أنه ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد بل المراد التيسير والتسهيل والسعة ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الآحاد كما يطلق السبعون في العشرات والسبعمائة في المئين ولا يراد العدد المعين وإلى هذا جنح عياض ومن تبعه‏.‏

    ويرده ما في حديث ابن عباس في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف وفي حديث أبيّ عند مسلم إن ربي أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل إلي أن أقرأه على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل إلي أن أقرأه على سبعة أحرف‏.‏

    وفي لفظ عنه عند النسائي إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل‏:‏ اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل‏:‏ استزده حتى بلغ سبعة أحرف‏.‏

    وفي حديث أبي بكرة اقرأه فنظرت إلى ميكائيل فسكت فعلمت أنه قد انتهت العدة فهذا يدل على إرادة حقيقية‏.‏

    العدد وانحصاره‏.‏

    الثالث‏:‏ أن النمراد بها سبع قراءات وتعقب بأنه لا يوجد في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه إلا القليل مثل‏:‏ ‏{‏عبد الطاغوت‏}‏ و‏{‏لا تقل لهما أف‏}‏ وأجيب بأن المراد أن كل كلمة تقرأ بوجه أووجهين أوثلاثة أوأكثر إلى سبعة‏.‏

    ويشكل على هذا أن في الكلمات ما قرئ على أكثر وهذا يصلح أن يكون قولاً رابعاً‏.‏

    الخامس‏:‏ أن المراد بها الأوجه التي يقع بها التغاير ذكره ابن قتيبة قال‏:‏ فأولها ما يتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل‏:‏ ولا يضار كاتب بالفتح والرفع وثانيهما‏:‏ ما يتغير بالفعل مثل بعد وباعد بلفظ الطلب والماضي وثالثها‏:‏ ما يتغير باللفظ مثل ننشرها ورابعها‏:‏ ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج مثل طلح منضود وطلع وخامسها‏:‏ ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل وجاءت سكرة الموت بالحق وسكرة الحق بالموت وسادسها‏:‏ ما يتغير بزيادة أونقصان مثل الذكر والأنثى ‏{‏وما خلق الذكر والأنثى‏}‏ وسابعها‏:‏ ما يتغير بإبدال كلمة بأخرى مثل كالعهن المنقوش وكالصوف المنفوش‏.‏

    وتعقب هذا قاسم بن ثابت بأن الرخصة وقعت وأكثرهم يومئذ لا يكتب ولا يعرف الرسم وإنما كانوا يعرفون الحروف ومخارجها‏.‏

    وأجيب بأنه لا يلزم من ذلك توهين ما قاله ابن قتيبة لاحتمال أن يكون الانحصار المذكور في ذلك وقع اتفاقاً وإنما اطلع عليه بالاستقراء‏.‏

    وقال أبو الفضل الرازي في اللوائح‏:‏ الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه في الاختلاف‏.‏

    الأول‏:‏ اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث‏.‏

    والثاني‏:‏ اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر‏.‏

    الثالث‏:‏ وجوه الإعراب‏.‏

    الرابع‏:‏ النقص والزيادة‏.‏

    الخامس‏:‏ التقديم والتأخير‏.‏

    السادس‏:‏ الإبدال‏.‏

    السابع‏:‏ اختلاف اللغات كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والإدغام والإظهار ونحوذلك وهذا هو القول السادس‏.‏

    وقال بعضهم‏:‏ المراد بها كيفية النطق بالتلاوة من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق وإمالة وإشباع ومد وقصر وتشديد وتخفيف وتليين وتحقيق وهذا هو القول السابع‏.‏

    وقال ابن الجزري‏:‏ قد تتبع تصحيح القراءات وشاذها وضعيفها ومنكرها فإذا هي يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها وذلك إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحوالبخل بأربعة ويحسب بوجهين أومتغير في المعنى فقط نحو فتلقى آدم من ربه كلمات وإما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحوتبلووتتلو وعكس ذلك نحوالصراط والسراط أوبتغيرهما نحوفامضوا فاسعوا وإما في التقديم والتأخير نحوفيقتلون ويقتلون أوفي الزيادة والنقصان نحوأوصى ووصى فهذه سبعة لا يخرج الاختلاف عنها‏.‏

    قال‏:‏ وأما نحواختلاف الإظهار والإدغام والروم والإشمال والتخفيف والتسهيل والنقل والإبدال فهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع في اللفظ والمعنى لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظاً واحداً انتهى‏.‏

    وهذا هو القول الثامن‏.‏

    قلت‏:‏ ومن أمثلة التقديم والتأخير قراءة الجمهور و ‏{‏كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار‏}‏ وقرأ ابن مسعود على قلب كل متكبر‏.‏

    التاسع‏:‏ أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة نحوأقبل وتعالى وعلم وعجل وأسرع وإلى هذا ذهب سفيان بن عيينة وابن جرير وابن وهب وخلائق ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء ويدل له ما أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي بكرة أن جبريل قال‏:‏ يا محمد اقرأ القرآن على حرف قال ميكائيل‏:‏ استزده حتى بلغ سبعة أحرف قال‏:‏ كل شاف كاف ما لم تخلط آية عذاب برحمة أورحمة بعذاب نحوقولك تعال وأقبل وهلم واذهب وأسرع وعجل هذا اللفظ رواية أحمد وإسناده جيد‏.‏

    وأخرج أحمد والطبراني أيضاً عن ابن مسعود نحوه‏.‏

    وعند أبي داود عن أبيّ قلت‏:‏ سميعاً عليماً عزيزاً حكيماً ما لم تخلط آية عذاب برحمة أورحمة بعذاب‏.‏

    وعند أحمد من حديث أبي هريرة أنزل القرآن على سبعة أحرف عليماً حكيماً غفوراً رحيماً وعنده أيضاً من حديث عمر بأن القرآن كله صواب ما لم تجعل مغفرة عذاباً وعذاباً مغفرة أسانيدها جياد‏.‏

    قال ابن عبد البر‏:‏ إنما أراد بهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها أنها معان متفق مفهومها مختلف مسموعها لا يكون في شيء منها معنى وضده ولا وجه يخالف معنى وجه خلافاً ينفيه ويضاده كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده‏.‏

    ثم أسند عن أبيّ بن كعب أنه كان يقرأ‏:‏ كلما أضاءوا لهم مشوا فيه مروا فيه سمعوا فيه‏.‏

    وكان ابن مسعود يقرأ‏:‏ للذين آمنوا انظرونا أمهلونا أخرونا‏.‏

    قال الطحاوي‏:‏ وإنما كان ذلك رخصة لما كان يتعسر على كثير منهم التلاوة بلفظ واحد لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ ثم نسخ بزوال العذر وتيسر الكتابة والحفظ وكذا قال ابن عبد البر والباقلاني وآخرون‏.‏

    وفي فضائل أبي عبيد من طريق عون بن عبد الله أن ابن مسعود اقرأ رجلاً‏:‏ إن شجرة الزقوم طعام الأثيم فقال الرجل‏:‏ طعام اليتيم فردها عليه فلم يستقم بها لسانه فقال‏:‏ أتستطيع أن تقول طعام الفاجر قال نعم قال‏:‏ ما فعل‏.‏

    القول العاشر‏:‏ أن المراد سبع لغات وإلى هذا ذهب أبو عبيد وثعلب والزهري وآخرون واختاره ابن عطية وصححه البيهقي في الشعب‏.‏

    وتعقب بأن لغات العرب أكثر من سبعة‏.‏

    وأجيب بأن المراد أفصحها فجاء عن أبي صالح عن ابن عباس قال‏:‏ نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغة العجز من الهوازن‏.‏

    قال‏:‏ والعجز سعد بن بكر وجشم بن بكر ونصر بن معاوية وثقيف وهؤلاء كلهم من هوازن ويقال لهم عليا هوازن‏.‏

    ولهذا قال أبو عمرو بن العلاء‏:‏ أفصح العرب علياً هوازن وسفلي تميم‏:‏ يعني بني دارم‏.‏

    وأخرج أبو عبيد من وجه آخر عن ابن عباس قال‏:‏ نزل القرآن بلغة الكعبين‏:‏ كعب قريش وكعب خزاعة قيل‏:‏ وكيف ذاك قال‏:‏ لأن الدار واحدة‏:‏ يعني أن خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليهم لغتهم‏.‏

    وقال أبوحاتم السجستاني‏:‏ نزل بلغة قريش وهزيل وتميم والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر

    واستنكر ذلك ابن قتيبة وقال‏:‏ لم ينزل القرآن إلا بلغة قريش ورده بقوله تعالى ‏{‏وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه‏}‏ فعلى هذا تكون اللغات السبع في بطون قريش وبذلك جزم أبو علي الأهوازي‏.‏

    وقال أبو عبيد‏:‏ ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات بل اللغات السبع مفرقة فيه فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن وغيرهم‏.‏

    قال‏:‏ وبعض اللغات أسعد به من بعض وأكثر نصيباً‏.‏

    وقيل‏:‏ نزل بلغة مضر خاصة لقول عمر‏:‏ نزل القرآن بلغة مضر‏.‏

    وعين بعضهم فيما حكاه ابن عبد البر السبع من مضر أنهم هذيل وكنانة وقيس وضبة وتيم الرباب وأسد بن خزيمة وقريش فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات‏.‏

    ونقل أبو شامة عن بعض الشيوخ أنه قال‏:‏ أنزل القرآن أولاً بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء ثم أبيح للعرب أن يقرءوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها عن اختلافهم في الألفاظ والإعراب ولم يكلف أحداً منهم الانتقال عن لغته إلى لغة أخرى للمشقة ولما كان فيهم من الحمية ولطلب تسهيل فهم المراد‏.‏

    وزاد غيره أن الإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي بأن يغير كل أحد الكلمة بمرادفها في لغته بل المرعي في ذلك السماع من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

    واستشكل بعضهم هذا بأنه يلزم عليه أن جبريل كان يلفظ باللفظ الواحد سبع مرات‏.‏

    وأجيب بأنه يلزم هذا لواجتمعت الأحرف السبعة في لفظ واحد ونحن قلنا‏:‏ كان جبريل يأتي في كل عرضة بحرف إلى أن تمت سبعة وبعد هذا كله رد القول بأن عمر بن الخطاب وهشام ابن حكيم كلاهما قرشي من لغة واحدة وقد اختلفت قراءتهما ومحال أن ينكر عليه عمر لغته فدل على أن المراد بالأحرف السبعة غير اللغات‏.‏

    القول الحادي عشر‏:‏ أن المراد سبعة أصناف والأحاديث السابقة ترده والقائلون به اختلفوا في تعيين السبعة فقيل أمر ونهي وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال‏.‏

    واحتجوا بما أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان الكتاب الأول ينزل من باب وواحد وعلى حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب عن سبعة أحرف‏:‏ زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال الحديث‏.‏

    وقد أجاب عنه قوم بأنه ليس المراد بالأحرف السبعة التي تقدم ذكرها في الأحاديث الأخرى لأن سياق تلك الأحاديث يأبى حملها على هذا بل في ظاهره في أن المراد أن الكلمة تقرأ على وجهين وثلاثة إلى سبعة تيسيراً وتهويناً والشيء الواحد لا يكون حلالاً حراماً في آية واحدة‏.‏

    قال البيهقي‏:‏ المراد بالسبعة الأحرف هنا‏:‏ الأنواع التي نزل عليها والمراد بها في تلك الأحاديث

    اللغات التي يقرأ بها‏.‏

    وقال غيره‏:‏ من أول السبعة الأحرف بهذا فهو فاسد لأنه محال أن يكون الحرف منها حراماً لا ما سواه وحلالاً ما سواه ولأنه لا يجوز أن يكون القرآن يقرأ على أنه حلال كله أوحرام كله أو أمثال كله‏.‏

    وقال ابن عطية‏:‏ هذا القول ضعيف لأن الإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا تحليل حرام ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة‏.‏

    وقال الماوردي‏:‏ هذا القول خطأ لأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف وقد أجمع المسلمون على تحريم إبدال آية أمثال بآية أحكام‏.‏

    وقال أبو علي الأهوازي أبو العلاء والهمذاني‏:‏ قوله في الحديث زاجر وأمر إلى الخ استئناف كلام آخر‏:‏ أي هو زاجر‏:‏ أي القرآن ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة وإنما توهم ذلك من جهة الاتفاق في العدد‏.‏

    ويؤيده أن في بعض طرقه زجراً وأمراً بالنصب‏:‏ أي نزل على هذه الصفة في الأبواب السبعة

    وقال أبو شامة‏:‏ يحتمل أن يكون التفسير المذكور للأبواب لا للأحرف‏:‏ أي هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه‏:‏ أي أنزله الله على هذه الأصناف لم يقتصر منها على صنف واحد كغيره من الكتب‏.‏

    وقيل المراد بها المطلق والمقيد والعام والخاص والنص والمؤول والناسخ والمنسوخ والمجمل والمفسر والاستثناء وأقسامه حكاه شيدلة عن الفقهاء‏.‏

    وهذا هو القول الثاني عشر‏.‏

    وقيل المراد بها الحذف والصلة والتقديم والتأخير والاستعارة والتكرار والكناية والحقيقة والمجاز والمجمل والمفسر والظاهر والغريب حكاه عن أهل اللغة‏.‏

    وهذا هو القول الثلاث عشر‏.‏

    وقيل المراد بها التذكير والتأنيث والشرط والجزاء والتصريف والإعراب والأقسام وجوابها والجمع والإفراد والتصغير والتعظيم واختلاف الأدوات حكاه عن النحاة‏.‏

    وهذا هو الرابع عشر‏.‏

    وقيل المراد بها سبعة أنواع من المعاملات‏:‏ الزهد والقناعة مع اليقين والجزم والخدمة مع الحياء والكرم والفتوة مع الفقر والمجاهدة والمراقبة مع الخوف والرجاء والتضرع والاستغفار مع الرضا والشكر والصبر مع المحاسبة والمحبة والشوق مع المشاهدة حكاه عن الصوفية‏.‏

    وهذا هو الخامس عشر‏.‏

    القول السادس عشر‏:‏ أن المراد بها سبعة علوم‏:‏ علم الإنشاء والإيجاد وعلم التوحيد والتنزيه وعلم صفات الذات وعلم صفات الفعل وعلم جميع القرآن قبلها وإن كان قد حضرها من لم يجمع غيرها الجمع الكثير‏.‏

    الثامن‏:‏ أن المراد بجمعه السمع والطاعة له والعمل بموجبه‏.‏

    وقد أخرج أحمد في الزهد من طريق أبي الزاهرية أن رجلاً أتى أبا الدرداء فقال‏:‏ إن ابني جمع القرآن فقال‏:‏ الهم غفراً إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع‏.‏

    قال ابن حجر‏:‏ وفي غالب هذه الاحتمالات تكلف ولا سيما الأخير‏.‏

    قال‏:‏ وقد ظهر لي احتمال آخر وهوأن المراد بإثبات ذلك للخزرج دون الأوس فقط فلا ينفي ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين لأنه قال ذلك في معرض المفاخرة بين الأوس والخزرج كما أخرجه ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال‏:‏ افتخر الحيان الأوس والخزرج فقال الأوس‏:‏ منا أربعة‏:‏ من اهتز له العرش سعد بن معاذ ومن عدلت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن أبي ثابت ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر ومن حمته الدبر عاصم بن أبي ثابت‏:‏ أي ابن أبي الأفلح فقال الخزرج‏:‏ منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم فذكرهم‏.‏

    قال‏:‏ والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الصحيح أنه بنى مسجداً بفناء داره فكان يقرأ فيه القرآن‏.‏

    وهومحمول على ما كان نزل منه إذ ذاك‏.‏

    قال‏:‏ وهذا مما لا يرتاب فيه مع شدة حرص أبي بكر على تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وفراغ باله له وهما بمكة وكثرة ملازمة كل منهما للآخر حتى قالت عائشة‏:‏ إنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيهم بكرة وعشياً‏.‏

    وقد صح حديث يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وقد قدمه صلى الله عليه وسلم في مرضه إماماً للمهاجرين والأنصار فدل على أنه كان أقرأهم اه‏.‏

    وسبقه إلى نحوذلك ابن كثير‏.‏

    قلت‏:‏ لكن أخرج ابن أشتة في المصاحف بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال‏:‏ مات أبو بكر ولم يجمع القرآن وقتل عمر ولم يجمع القرآن‏.‏

    قال ابن أشتة‏:‏ قال بعضهم‏:‏ يعني لم يقرأ جميع القرآن حفظاً‏.‏

    وقال بعضهم‏:‏ هوجمع المصاحف‏.‏

    قال ابن حجر‏:‏ وقد ورد عن عليّ أنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

    أخرجه ابن أبي داود‏.‏

    وأخرج النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر وقال جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ اقرأه في شهر الحديث‏.‏

    وأخرج ابن أبي داود بسند حسن بن محمد بن كعب القرظي قال‏:‏ جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار‏:‏ معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبيّ بن كعب وأبوالدرداء وأبوأيوب الأنصاري‏.‏

    وأخرج البيهقي في المدخل عن ابن سيرين قال‏:‏ جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة لا يختلف فيهم‏:‏ معاذ بن جبل وأبيّ بن كعب وأبوزيد واختلفوا في رجلين من ثلاثة‏:‏ أبي الدرداء وعثمان وقيل عثمان وتميم الداري‏.‏

    وأخرج هووابن أبي داود عن الشعبي قال‏:‏ جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ستة‏:‏ أبيّ ومعاذ وأبوالدرداء وسعيد بن عبيد وأبوزيد ومجمع بن جارية وقد أخذه إلا سورتين أوثلاثة‏.‏

    وقد ذكر أبو عبيد في كتاب القراءات‏:‏ القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعد من المهاجرين الخلفاء الأربعة وطلحة وسعد تعرب بسبعة أوجه حتى يكون المعنى واحداً وإن اختلف اللفظ فيها‏.‏

    الثلاثون أمهات الهجاء الألف والباء والجيم والدال والراء والسين والعين لأن عليها تدور جوامع كلام العرب‏.‏

    الحادي والثلاثون‏:‏ أنها في أسماء الرب مثل الغفور الرحيم السميع البصير العليم الحكيم‏.‏

    الثاني والثلاثون‏:‏ هي آية في صفات الذات وآية تفسيرها في آية أخرى وآية بيانها في السنة الصحيحة وآية في قصة الأنبياء والرسل وآية في خلق الأشياء وآية في وصف الجنة وآية في وصف النار‏.‏

    الثالث والثلاثون‏:‏ في وصف الصانع وآية في إثبات الوحدانية له وآية في إثبات صفاته‏:‏ وآية في إثبات رسله وآية في إثبات كتبه وآية في إثبات الإسلام وآية في نفي الكفر‏.‏

    الرابع والثلاثون‏:‏ سبع جهات من صفات الذات لله التي لا يقع عليها التكييف‏.‏

    الخامس والثلاثون‏:‏ الإيمان بالله ومجانبة الشرك وإثبات الأوامر ومجانبة الزواجر والثبات على الإيمان وتحريم ما حرم الله وطاعة رسوله‏.‏

    قال ابن حبان‏:‏ فهذه خمسة وثلاثون قولاً لأهل العلم واللغة في معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف وهي أقاويل يشبه بعضها بعضاً وكلها محتملة ويحتمل غيرها‏.‏

    وقال المرسي‏:‏ هذه الوجوه أكثرها متداخلة ولا أدري مستندها ولا عمن نقلت ولا أدري لم خص كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر مع أن كلها موجودة في القرآن فلا أدري معنى التخصص‏.‏

    ومنها الأشياء لا أفهم معناها على الحقيقة وأكثرها معارضة حديث عمر وهشام بن حكيم الذي في الصحيح فإنهما لم يختلفا في تفسيره ولا أحكامه وإنما اختلفا في قراءة حروفه وقد ظن كثير من العوام أن المراد بها القراءات السبعة وهوجهل قبيح‏.‏

    تنبيه اختلف هل المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الأحرف السبعة فذهب جماعة من الفقهاء والقراء والمتكلمين إلى غير ذلك وبنوا عليه أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء منها وقد أجمع الصحابة على نقل المصاحف العثمانية من الصحف التي كتبها أبو بكر وأجمعوا على ترك ما سوى ذلك‏.‏

    وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أنها مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل متضمنة لها لم تترك حرفاً منها‏.‏

    قال ابن الجزري‏:‏ وهذ

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 09, 2024 10:17 pm